فصل: الحكم الرابع: هل الآية عامة في كل مطلّقة؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الأحكام الشرعية:

.الحكم الأول: ما هي عدة المطلقة، والحامل، والتي لا تحيض؟

أوجب الله تعالى العدة على المطلقة {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قرواء} والمراد بالمطلّقات هنا المدخول بهن البالغات من غير الحوامل، أو اليائسات، لأن غير المدخول بها لا عدة عليها لقوله تعالى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49].
وعدة الحامل وضع الحمل لقوله تعالى: {وَأُوْلاَتُ الأحمال أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].
والمرأة التي لا تحيض وكذا اليائسة عدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى: {واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارتبتم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ واللائي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] الآية.
فتبيّن من هذا أن الآية قد دخلها التخصيص، وأنّ العدة المذكورة في الآية الكريمة هي للمطلّقة المدخول بها إذا لم تكن صغيرة أو يائسة أو حاملًا.

.الحكم الثاني: ما المراد بالأقراء في الآية الكريمة؟

تقدّم معناه أن القرء في اللغة يطلق على الحيض وعلى الطهر، وقد اختلف الفقهاء في تعيين المراد به هنا في الآية الكريمة على قولين:
أ- فذهب مالك والشافعي: إلى أن المراد بالأقراء: الأطهار، وهو مروي عن ابن عمر وعائشة وزيد بن ثابت، وهو أحد القولين عند الإمام أحمد رحمه الله.
ب- وذهب أبو حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى عنه إلى أن المراد بالأقراء: الحيض، وهو مروي عن عمر وابن مسعود وأبي موسى وأبي الدرداء وغيرهم.
حجة مالك والشافعي:
احتج الفريق الأول لترجيح مذهبهم بحجج نذكرها بإيجاز:
الحجة الأولى: إثبات التاء في العدد {ثلاثة قروء} وهو يدل على أن المعدود مذكر وأن المراد به الطهر، ولو كان المراد به الحيضة لجاء اللفظ {ثلاث قروء} لأن الحيضة مؤنث والعدد يذكر مع المؤنث، ويؤنث مع المذكر كما هو معلوم.
الحجة الثانية: ما روي عن عائشة أنها قالت: «هل تدرون الأقراء؟ الأقراء: الأطهار».
قال الشافعي: والنساء بهذا أعلم. لأن هذا إنما يُبتلى به النساء.
الحجة الثالثة: قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] قالوا: ومعناه: فطلقوهن في وقت عدتهن، ولما كان الطلاق وقت الحيض محظورًا، دلّ على أن المراد به وقت الطهر، فيكون المراد من القروء الأطهار.
حجة أبي حنيفة وأحمد:
واحتج الفريق الثاني على ترجيح مذهبهم بما يأتي:
أولًا: إن العدة شرعت لمعرفة براءة الرحم، والذي يدل على براءة الرحم إنما هو الحيض لا الطهر.
قال الإمام أحمد: قد كنت أقول: القروء: الأطهار، وأنا اليوم أذهب إلى أنها الحيض.
ثانيًا: واستدلوا بقوله عليه السلام لفاطمة بنت حُبيش: «دعي الصلاة أيام أقرائك» والمراد أيام حيضك، لأن الصلاة تحرم في الحيض.
ثالثًا: قوله عليه السلام: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة» فأمر بالاستبراء بالحيضة، وقد أجمع العلماء على أن الاستبراء في شراء الجواري يكون بالحيض، فكذا العدة ينبغي أن تكون بالحيض، لأن الغرض واحد وهو براءة الرحم.
رابعًا: أقام الله تعالى الأشهر مقام الحيض في العدة في قوله: {واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارتبتم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] فدلّ على أن العدة تعتبر بالحيض لا بالطهر. وهذا من أقوى أدلة الأحناف.
خامسًا: إذا اعتبرنا العدة بالحيض فيمكن معه استيفاء ثلاثة أقراء بكمالها، لأن المطلّقة إنما تخرج من العدة بزوال الحيضة الثالثة، بخلاف ما إذا اعتبرناها بالأطهار فإنه إذا طلقها في آخر الطهر يكون قد مر عليها طهران وبعض الثالث، فيكون ما ذهبنا إليه أقوى.
الترجيح:
ولعلّ ما ذهب إليه الفريق الثاني يكون أرجح، فإن الأحاديث الصحيحة تؤيده، والغرض من العدة في الأظهر معرفة براءة الرحم، وهو يعرف بالحيض لا بالطهر.
وقد رجّح العلامة ابن القيم في كتابه زاد المعاد هذا القول ونصره وأيده فقال: إن لفظ القرء لم يستعمل في كلام الشارع إلاّ للحيض، ولم يجيء عنه في موضع واحد استعماله للطهر، فحملُه في الآية على المعهود المعروف من خطاب الشارع أولى، بل يتعين، فإنه عليه السلام قد قال للمستحاضة: «دعي الصلاة أيام أقرائك» وهو صلى الله عليه وسلم المعبّر عن الله، وبلغه قومه نزل القرآن، فإذا أورد المشترك في كلامه على أد معنييه، وجب حمله في سائر كلامه عليه إذا لم يثبت إرادة الآخر في شيء من كلامه البتة، ويصير هو لغة القرآن التي خوطبنا بها، وإن كان له معنى آخر في كلام غيره، وإذا ثبت استعمال الشارع للقرء في الحيض علم أن هذا لغته فيتعين حمله عليها في كلامه، ويدل على ذلك ما في سياق الآية من قوله تعالى: {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله في أَرْحَامِهِنَّ} وهذا هو الحيض والحمل عند عامة المفسرين، وأيضًا فقد قال سبحانه: {واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض} [الطلاق: 4] الآية فجعل كل شهر بإزاء حيضة وعلّق الحكم بعدم الحيض لا بعدم الطهر، وقال في موضع آخر {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] معناه لاستقبال عدتهن لا فيها، وإذا كانت العدة التي يطلق لها النساء مستقبلة بعد الطلاق، فالمستقبل بعدها إنما هو الحيض، فإن الطاهر لا تستقبل الطهر، إذ هي فيه وإنما تستقبل الحيض بعد حالها التي هي فيها.

.الحكم الثالث: ما معنى قوله تعالى: {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله في أَرْحَامِهِنَّ}؟

اختلف المفسرون في المراد من هذه الآية على أقوال:
فقال بعضهم: المراد بما خلق الله في أرحامهن: الحمل وهو قول عمر، وابن عباس، ومجاهد.
وقال بعضهم: المراد به الحيض وهو قول عكرمة، والنخعي، والزهري.
وقال آخرون: المراد به الحمل والحيض معًا، وهذا قول ابن عمر، واختاره ابن العربي.
قال ابن العربي: والثالث هو الصحيح لأن الله تعالى جعلها أمينة على رحمها فقولها فيه مقبول إذ لا سبيل إلى علمه إلاّ بخبرها، ولا خلاف بين الأمة أن العمل على قولها في دعوى الشغل للرحم أو البراءة ما لم يظهر كذبها.
أقول: إنما حرم الله كتمان ما في أرحامهن لأنه يتعلق بذلك حق الرجعة للرجل، وعدم اختلاط الأنساب، فربما ادعت انقضاء العدة وهي مشغولة الرحم بالحمل من زوجها ثم تزوجت فأدى ذلك إلى اختلاط الأنساب، وربما حَرَمَت الرجل من حقه في الرجعة فلذلك حرّم الله كتمان ما في الأرحام.

.الحكم الرابع: هل الآية عامة في كل مطلّقة؟

الآية الكريمة {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ} عامة في المبتوتة، والرجعية، وقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} خاص في الرجعية دون المبتوتة، لأن المبتوتة قد ملكت نفسها.
قال ابن كثير رحمه الله: وهذا في الرجعيات، فأما المطلَّقات البوائن فلم يكن حال نزول هذه الآية مطلقة بائن وإنما كان ذلك لما حصروا في الطلقات الثلاث، فأما حال نزول هذه الآية فكان الرجل أحق برجعه امرأته وإن طلّقها مائة مرة، فلما قصوا على ثلاثة تطليقات، صار للناس مطلّقة بائن ومطلقة غير بائن.

.الحكم الخامس: ما هو حكم الطلاق الرجعي؟

الطلاق الرجعي يبيح للرجل حق الرجعة بدون عقد جديد، وبدون مهر جديد، وبدون رضا الزوجة ما دامت المرأة في العدة، فإذا انقضت العدة ولم يراجعها بانت منه، وقد أثبت الشارع له حق الرجعة بقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} أي أحق بإرجاعهن في وقت التربص بالعدة، وإذا كانت الرجعية حقًا للرجل فلا يشترط رضا الزوجة ولا عملها، ولا تحتاج إلى ولي، كما لا يشترط الإشهاد عليها وإن كان ذلك مستحبًا خشية إنكار الزوجة فيه بعد أنه راجعها.
وتصح المراجعة بالقول مثل قوله: راجعتُ زوجتي إلى عصمة نكاحي، وبالفعل مثل التقبيل، والمباشرة بشهوة، والجماع عند أبي حنيفة ومالك، وقال الشافعي: لا رجعة إلا بالقول الصريح ولا تصح بالوطء ودواعيه، لأن الطلاق يزيل النكاح.
قال الشوكاني: والظاهر ما ذهب إليه الأولون، لأن العدة مدة خيار، والاختيار يصح بالقول وبالفعل، وظاهر قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} وقوله صلى الله عليه وسلم: «مُره فليراجعها» أنها تجوز المراجعة بالفعل لأنه لم يخص قولًا من فعل، ومن ادّعى الاختصاص فعليه الدليل.

.الحكم السادس: هل الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع ثلاثًا أم واحدة؟

دل قوله تعالى: {الطلاق مَرَّتَانِ} على أن الطلاق ينبغي أن يكون مفرقًا مرة بعد مرة وقد اختلف العلماء في الطلاق الثلاث بلفظٍ واحدٍ هل يقع ثلاثًا أو واحدة؟
فذهب جمهور الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الأربعة إلى أنه يقع ثلاثًا، إمّا مع الحرمة، وإما مع الكراهة على حسب اختلافهم في فهم الآية الكريمة.
وذهب بعض أهل الظاهر إلى أن طلاق الثلاث في كلمة واحدة يقع واحدة، وهو قول طاووس ومذهب الإمامية وقول ابن تيمية وبه أخذ بعض المتأخرين من الفقهاء دفعًا للحرج عن الناس، وتقليلًا لحوادث الطلاق، وفرارًا من مفاسد التحليل.
دليل الجمهور:
استدل الجمهور على وقوع الطلاق الثلاث بما يلي:
أولًا: إن الله عز وجل جعل للطلاق حدًا وأرشد الرجل إلى أن يطلق مرة بعد مرة، وجعل له فسحة في الأمر حتى لا يضيع حقه في الرجعة، فإذا تعدى الإنسان هذه الرخصة وطلّق ثلاثًا وقع طلاقه لأن له عليها طلقتين وبالثالثة تبين منه، فإما أن يجمعها أو يفرقها. والإسلام قد أرشده إلى ما هو الأفضل والأصلح، فإذا جاوز هذا إلى ما فيه تضييق عليه أخذ بجزيرة نفسه.
ثانيًا: ما روي أن رجلًا جاء إلى ابن عباس فقال له: إنه طلّق امرأته ثلاثًا، قال مجاهد: فسكت ابن عباس حتى ظننت أنه رادها إليه، ثم قال: يطلّق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول: يا ابن عباس، يا ابن عباس وإن الله تعالى يقول: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجًا عصيت ربك، وبانت منك امرأتك.
ثالثًا: واستدلوا بإجماع الصحابة حين قضى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأقروه عليه، ولم ينكر أحد من الصحابة وقوع الثلاث بلفظ واحد على عمر بن الخطاب فدل ذلك على الإجماع.
وقد ذهب البخاري إلى وقوع الثلاث وترجم على هذه الآية بقوله: باب من أجاز الطلاق الثلاث بقوله تعالى: {الطلاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان}.
وهذا إشارة منه رضي الله عنه إلى أنّ هذا التعديد إنما هو فسحة لهم، فمن ضيّق على نفسه لزمه.
حجة الفريق الثاني:
واستدل القائلون بوقوع الطلاق الثلاث واحدة بما رواه أحمد ومسلم من حديث طاووس عن ابن عباس أنه قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر طلاقُ الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمرٍ كانت لهم فيه أناةٌ، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم.
وقالوا: إن الله قد فرّق الطلاق بقوله: {الطلاق مَرَّتَانِ} أي مرة بعد مرة، وما كان مرة بعد مرة لا يملك المكلف إيقاعه دفعة واحدة، مثل اللعان لابد من التفريق فيه، ولو قال: أشهد بالله أربع شهادات إني لمن الصادقين كان مرة واحدة، ولو قال المقر بالزنى: أنا أقر أربع مرات أني زنيت كان مرة واحدة، وقالوا: إن الشارع طلب أن يسبح العبد ربه ويحمده، ويكبّره دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين ولا يكفيه أن يقول: سبحان الله ثلاثًا وثلاثين، ولابد من التفريق حتى يكون قد أتى بالأمر المشروع.
وقد أطال ابن القيم رحمه الله في كتابه أعلام الموقعين القول في المسألة وانتصر لرأي ابن تيمية، وفعل مثله الشوكاني في كتابه نيل الأوطار وله رسالة خاصة في تفنيد أدلة الجمهور.
أقول: كلُّ ما استدل به الفريق الثاني لا يقوى على ردّ أدلة الجمهور وعلى إجماع الصحابة، وكفى بهذا الإجماع حجة وبرهانًا وهذا ما ندين الله عز وجل به. ونعتقد أنه الصواب، لأن مخالفة إجماع الصحابة وإجماع الفقهاء ليس بالأمر اليسير.
ويحسن بنا أن ننقل ما كتبه العلامة القرطبي في تفسير الجامع لأحكام القرآن حيث قال رحمه الله: واتفق أئمة الفتوى على لزوم إيقاع الطلاق الثلاث في كلمة واحدة، وهو قول جمهور السلف، وشذّ طاوس وبعض أهل الظاهر فقالوا: إن طلاق الثلاث في كلمة واحدة يقع واحدة، ويحكى عن داود أنه لا يقع، وجمهور السلف والأئمة أنه لازم واقع ثلاثًا، ولا فرق بين أن يوقع ثلاثًا مجتمعة في كلمة أو متفرقة في كلمات، واستدل من قال بوقوعه واحدة بأحاديث ثلاثة:
أحدهما: حديث ابن عباس من رواية طاوس، وأبي الصهباء، وعكرمة.
وثانيها: حديث ابن عمر على رواية من روى أنه طلق امرأته ثلاثًا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره برجعتها واحتسبت واحدة.
وثالثها: أنّ ركانة طلّق امرأته ثلاثًا فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم برجعتها، والرجعة تقتضي وقوع واحدة.
والجواب عن الأحاديث ما ذكره الطحاوي عن سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء في روايتهم عن ابن عباس فيمن طلّق امرأته ثلاثًا أنه قد عصى ربه، وبانت منه امرأته، ولا ينكحها إلا بعد زوج، وفيما رواه هؤلاء عن ابن عباس مما يوافق الجماعة، ما يدل على وهْن رواية طاوس وغيره، وما كان ابن عباس ليخالف الصحابة إلى رأي نفسه.
قال ابن عبد البر: رواية طاوس وهمٌ وغلط، لم يعرّج عليها أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق، والمشرق والمغرب.
قال الباجي: فإن حمل حديث ابن عباس على ما يتأول فيه من لا يعبأ بقوله فقد رجع ابن عباس إلى قول الجماعة وانعقد به الإجماع، ودليلنا من جهة القياس أن هذا طلاق أوقعه من يملكه فوجب أن يلزمه.
وأما حديث ابن عمر أنه طلّق ثلاثًا وهي حائض... إلخ فقد ردّه الدارقطني وقال: رواته كلهم من الشيعة، والمحفوظ أن ابن عمر طلّق امرأته واحدة في الحيض.
وأما حديث رُكانة فقيل: إنه حديث مضطرب منقطع لا يستند من وجه يحتج به، وهو عن عكرمة عن ابن عباس وفيه إن رُكانة طلّق امرأته ثلاثًا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجعها.
والثابت أن ركانه طلّق امرأته البتة فاستحلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراد بها؟ فحلف ما أراد إلاّ واحدة فردّها إليه.
فهذا اضطراب في الاسم والفعل ولا يحتج بشيء من مثل هذا.
والخلاصة فإن رأي الجمهور يبقى أقوى دليلًا، وأمكن حجة، لاسيما وقد تعزّز بإجماع الصحابة والأئمة المجتهدين والله أعلم.